تبحث الدولة إمكانية توظيف الأتمتة في معالجة القضايا القانونية اليومية، بهدف تحسين الكفاءة وتسريع إجراءات العدالة.
مصدر الصورة:
freepik
في إستونيا، الدولة الرائدة في مجال الحوكمة
الرقمية، بدأ الوصول إلى العدالة يأخذ شكلًا غير مألوف. بفضل استخدامها الشامل
لبطاقات الهوية الرقمية، تُجري الحكومة تجربة غير مسبوقة: قاضٍ يعمل بالذكاء
الاصطناعي، مخصص للفصل في النزاعات المدنية التي تقل قيمتها عن 7000 يورو — بدءًا
من الخلافات التعاقدية.
يُقدم المواطنون الوثائق إلكترونيًا، بينما
تقوم الخوارزمية بمراجعة القضية وتحليلها بالرجوع إلى آلاف الأحكام السابقة، لتصدر
قرارًا أوليًا. ورغم ذلك، تبقى الرقابة القضائية محفوظة من خلال إمكانية الاستئناف
أمام قاضٍ بشري. هذه التجربة تهدف إلى تسريع البتّ في القضايا الروتينية، وتقليل
التكاليف، وتوفير وقت القضاة لمعالجة القضايا الأكثر تعقيدًا، وكل ذلك دون الحاجة
إلى الحضور الفعلي أو الإجراءات الورقية التقليدية.
هذه المبادرة ليست خطوة منفصلة، بل جزء من
رؤية أشمل تتبناها إستونيا في مجال الابتكار الحكومي. يقود هذه الجهود رئيس قسم
البيانات Ott Velsberg ، الذي ساهم في إدخال الذكاء الاصطناعي في 13 وظيفة حكومية حتى
الآن.
من بين هذه التطبيقات، استخدام صور الأقمار
الصناعية لرصد التزام المزارعين بقطع الأعشاب المدعومة، ما ساهم في توفير 665,000
يورو خلال عام واحد. كما طورت الحكومة خوارزمية توفّق بين الباحثين عن عمل
والوظائف المناسبة، رافعة نسبة الاستمرارية في العمل من 58% إلى 72%. وفي قطاع
التعليم، يتم تسجيل الأطفال حديثي الولادة تلقائيًا في المدارس عبر ربط البيانات
بين المستشفيات والجهات التعليمية. هذه الابتكارات لا تهدف فقط إلى تحسين الكفاءة،
بل تعكس توجهًا منهجيًا لتبسيط الخدمات العامة دون المساس بمبادئ العدالة أو
الرقابة.
رغم أن المشروع لا يزال في مراحله
التجريبية، إلا أن القاضي الآلي قد يُصبح الأول عالميًا الذي يُمنح فيه لبرمجية
خوارزمية سلطة إصدار الأحكام. ومع الحفاظ على حق الاستئناف أمام محكمة بشرية، تمثل
هذه المبادرة نقلة نوعية في كيفية التعامل مع النزاعات القانونية.
بالنسبة للمواطن، تُوفر التجربة حلاً سريعًا
وبدون رسوم، ما يسهّل الوصول إلى العدالة في القضايا الصغيرة. أما للحكومة، فهي
فرصة لتخفيف الضغط على المحاكم وتركيز جهود القضاة على المسائل المعقدة. كل ذلك
يجري ضمن منظومة الابتكار الرقمية التي طوّرتها إستونيا — شبكة متكاملة من
السياسات والتقنيات والخدمات، تتيح للدولة اختبار حلول جديدة بمرونة وفعالية.
وبينما تتابع دول أخرى هذه التجربة باهتمام، تبدو إستونيا مصمّمة على المضي قدمًا
في تحويل العدالة إلى تجربة رقمية شاملة.
يرجى الاشتراك للحصول على وصول غير محدود إلى ابتكاراتنا.