لطالما اقتصر دور الجدران على توفير الدعم الهيكلي والحماية، من دون أن
تؤدي أي وظيفة إضافية تتجاوز هذا الإطار التقليدي. غير أن فريقًا من الباحثين في
جامعة جنوب شرق الصين أعاد النظر في هذا المفهوم، عبر تطوير مادة مركبة مبتكرة
تجمع بين الإسمنت والهيدروجيل، قادرة على توليد الكهرباء وتخزينها داخل البنية
ذاتها. وقد استلهم الباحثون هذا الابتكار من الطريقة التي تتحكم بها سيقان
النباتات في حركة السوائل داخلها، وتستجيب بذكاء للتغيرات البيئية المحيطة بها.
وبالاستفادة من هذا النموذج الطبيعي، تمكن الفريق من توظيف تقلبات درجات الحرارة —
التي تعد سمة دائمة في معظم البيئات — كمصدر طاقة نظيف ومتجدد، يمكّن الجدران من
أداء دور نشط في منظومة الطاقة المستدامة.
في صميم هذا الابتكار يكمن تصميم متعدد الطبقات مستوحى من الأنظمة الطبيعية
الدقيقة. فقد قام الباحثون بدمج طبقات من الهيدروجيل داخل مصفوفة الإسمنت، بطريقة
تسمح بالتحكم الانتقائي في حركة الأيونات داخل المادة، مما يتيح تحويل فروقات
درجات الحرارة المحيطة إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام. هذا النهج الذكي مكّن
المادة من تحقيق أداء يفوق المواد الإسمنتية الحرارية الكهربائية التقليدية، إذ
وصلت كفاءتها إلى عشرة أضعاف الكفاءة المسجلة سابقًا. ويمثل هذا التقدم نقلة نوعية
في مجال دمج تقنيات حصاد الطاقة مباشرة ضمن مكونات البنية التحتية، مما يفتح
آفاقًا جديدة أمام تطوير مبانٍ ذكية أكثر استدامة وكفاءة في استهلاك الطاقة.
على عكس حلول الطاقة التقليدية التي تعتمد على الألواح الشمسية المنفصلة أو
البطاريات أو الأنظمة الخارجية، يندمج هذا الابتكار بسلاسة ضمن الهيكل البنائي
نفسه، ليصبح جزءًا غير مرئي من المبنى دون الحاجة إلى أي إضافات ظاهرة. فهو قادر
على التقاط التغيرات الطفيفة واليومية في درجات الحرارة بطريقة صامتة ومستدامة،
مما يوفر وسيلة منخفضة الصيانة لدعم احتياجات الطاقة دون التأثير على شكل المبنى
أو تعطيل وظائفه الأساسية. ولا تقتصر مزايا هذه المادة على قدرتها على توليد
الكهرباء فقط، بل تتميز أيضًا بقوة ميكانيكية عالية وبقدرة مدمجة على تخزين
الطاقة، مما يفتح آفاقًا واسعة لاستخدامها في تشغيل الحساسات الذكية، والأنظمة
المدمجة، والأجهزة اللاسلكية داخل البنى التحتية لمدن المستقبل الذكية.
لا يزال هذا الابتكار في مرحلة البحث والتطوير، إلا أنه يفتح آفاقًا واعدة نحو مستقبل تصبح فيه المباني الذكية أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وقادرة أيضًا على المشاركة الفعلية في إنتاجها. ومن خلال دمج تقنيات حصاد الطاقة مباشرة ضمن مواد البناء الأساسية، يرسم هذا التطور مسارًا جديدًا نحو مدن أكثر استدامة، وبنى تحتية أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية المتسارعة.
يرجى الاشتراك للحصول على وصول غير محدود إلى ابتكاراتنا.